جُبلت المجتمعات العربية على التوجس من كل ما يتعلق بالأنثى، كونها المعيار الوحيد للشرف، وهي فقط من يستطيع أن يشعل جذوة العار، أو يطفئ انتهاك الشرف بانطفائها، فشرف الرجل العربي والشرق أوسطي عموماً مرتبط بأخته وابنته وزوجته، وليس بأخلاقه مثلاً أو بإنسانيته، شرفه مرتبط بسلوك الأنثى -السلوك الجنسي- وأي تلبية لغريزتها خارج مؤطرات العادات والتقاليد هو بلا شك مدعاة لسفك دمها!
وافتنا الصحف ومواقع التواصل قبل أيام من الآن بأخبار حادثة ليست الأولى من نوعها ولا الأخيرة في جرائم الشرف، حين أقدمت عائلة فلسطينية على قتل ابنتها، بعد تعذيبها -كما ذكر شهود- في جريمة بشعة، لدواع تتعلق بالشرف تسمى في أدبيات الجهل والتخلف «غسل العار»، ولأسباب تافهة تتعلق بخروج الفتاة مع خطيبها دون علم أهلها، كما نُشر، فعقدت المحكمة عائلياً وتم تنفيذ الحكم في ساعته! نعم يا سادة، فالحكم صادر من العاطفة العنترية المزاجية التي يعتقد فيها الرجل أن حياة المرأة ملك له وليست ملكها طالما يرتبط نسبها بنسبه، مع تغييب تام للعقل، ناهيك عن تجاهل القانون الذي بدوره قد يبرر جريمة كهذه، أو يخفف الحكم على مرتكبيها كونهم «ذكوراً يدافعون عن شرفهم» في محاكم الذكورية ومجتمعاتها!
تكثر جرائم الشرف في المجتمعات العشائرية القبلية والتقليدية، وتقل في المجتمعات المدنية، فالعشيرة أو القبيلة لديها حسابات موغلة في التقليدية فيما يتعلق بالمرأة عموماً وليس شرفها فقط، لكن مسألة الشرف لا حياد فيها ولا محاكم سوى محكمة اللامنطق الغوغائية ذات المحركات العاطفية، كما أسلفت. وهنا يكمن الخطر، فالعادات القبلية التقليدية لا تتغير ولا تتراجع طالما مغذياتها لا تزال على قيد النمو، كالربط الدائم بين الرجولة والشرف، وتحفيز الذكورية والتقليل من شأن الأنثى باعتبارها إنساناً تابعاً للرجل وتحت إمرته وفي طوعه، وأنها «عود كبريت»، ولذلك فعلى الرجل أن يمارس كامل صلافته الذكورية في حمايتها، وبأي شكل من الأشكال، بعيداً عن الإنسانية، وعن تطور الوعي وتغير الحياة بكل أشكالها ومظاهرها وثقافاتها.. فما تزال ثقافة الشرف خطاً أحمر مرتبطاً بالأنثى!
تعزيز حضور المرأة في المشهدين السياسي والاجتماعي في دول الخليج العربية عامة وفي المملكة العربية السعودية خاصة، ساهم في رفع مستوى الوعي نحو النساء، فنجد مثلاً في دول الخليج، والتي هي معقل العشائر والقبائل، محاولات ناجحة ونماذج رائعة لإذابة هذه الثقافة الذكورية المتعلقة بوضع المرأة والسعي الحثيث لإثبات مكانتها، فتكثيف حضور المرأة يعزز احترامها ويؤصل أهمية دورها في البناء وبالتالي يلغي تدريجياً ثقافة التبعية والتملك حيال المرأة حتى نصل إلى ما نصبو إليه من المساواة في مجتمعات متحضرة تحترم الفرد كإنسان من حيث هو إنسان، وبالنظر أيضاً إلى أهمية إنجازه وعطائه، لا بجندريته (جنسه) وأصله وفصله.
ومن يقف على الحياد في قضايا الشرف هو كمن يؤيد الجريمة مدفوعاً بعاطفته المشوهة وعقله المعبأ بالخرافة، مهما كانت بيئته التي نشأ فيها، فالإنسان في دين الله مكرَّم إلهياً، وفي أعرافنا الإنسانية لا موروثاتنا القبلية، وبالتالي فالأنثى كالذكر تماماً وهي المسؤول الوحيد عن أي تصرف أو سلوك ترتكبه، وهذا ما يجب أن تقوم عليه طبيعة الحياة وتتأسس عليه مجتمعاتنا.
*كاتبة سعودية